حرب أوكرانيا وآثارها على لبنان: حذار من التطوّرات القادمة في الشرق الأوسط (6) - السفير د. هشام حمدان

 أوستن في 17 آذار 2022

حرب أوكرانيا وآثارها على #لبنان: حذار من التطوّرات القادمة في الشرق الأوسط (6)

السفير د. #هشام_حمدان 

لا شكّ أنّ من تابع الحلقات السابقة، يدرك أن ما هدفتُ إليه في قراءاتي عن المسار الدولي، هو توضيح خلفيّة القرارات الدولية بشأن الحالة السائدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك في لبنان، وليس فقط ما يجري في أوكرانيا، وما يمكن أن تؤدّي إليه هذه الحرب من انعكاسات خطيرة في المنطقة. فبالنسبة إلى القوى العظمى كلّ هذه الأحداث مترابطة وتؤثّر بشكل حاسم على كلّ الواقع القائم في العالم. وعليه، فإنّني أرغب في الحلقة الأخيرة أن أقرأ بهدوء إحتمالات تحوّل الحرب في أوكرانيا إلى حرب في الشرق الأوسط، سواء ساخنة أو باردة، وتأثير ذلك على لبنان، خاصّة أنّني مقتنع بأنّ كلّ المؤشّرات حتى الآن، تدلّ على هذا التوجه.

أولا: مصير الإتّفاق النووي 5+1 مع إيران

لاحظت مؤخّرا تزايد التّحليلات بشأن إمكانية إستخدام إسرائيل للسّلاح النووي، علما أنّ إسرائيل تنكر حيازتها على مثل هذا السّلاح. هذا الزيادة في عدد هذه المقالات، تعني أنّ العالم كلّه يتطلّع بتشاؤم إلى ما ستؤول إليه المفاوضات الجارية في فيّينا بشأن النّشاط النّووي الإيراني. وقد أعلنت إيران أنّه لا يوجد أيّ مبرّر منطقي لفشل المفاوضات النّووية، خاصّة بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى موسكو، وتصريحات موسكو حول استعدادها لتوقيع الإتّفاق. وتعتبر إيران أنّ كلّ شيء متوقّف على إعلان واشنطن قبولها الإلتزام بتعهّداتها المنصوص عليها في الإتّفاق، وأنّه لا يوجد أمر آخر للتّفاوض عليه. 

من جهته، إعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، أنّ الإتّفاق النّووي الذي سيتمّ توقيعه في فيّينا، هو اتّفاق سيّئ وغير فعّال، وإسرائيل تعتبر نفسها غير ملزمة به، وتحتفظ بحرّية التّصرّف بأيّ شكل من الأشكال، ضدّ البرنامج النّووي الإيراني. وأكّد على أنّ إسرائيل تواصل جهودها لمنع طهران من أن تصبح دولة نووية. وقال: "إنّ أمن إسرائيل يتقدّم على كافة المصالح." وأضاف: "إنّ الحرب في أوكرانيا، والمحادثات النّووية في فيّينا، حدثان سيغيّران وجه العالم الذي عرفناه. الوزير لابيد لمّح إلى الدّعم المستمرّ الذي تحرص إسرائيل على تقديمه لأوكرانيا منذ أول يوم للغزو الروسي. لكنّه قال أنّ إسرائيل ستفعل كلّ ما في وسعها لوقف الحرب في أوكرانيا. ف"إسرائيل ملتزمة بسلامة وأمن مئات الآلاف من اليهود والإسرائيليين في روسيا وأوكرانيا، وهي تبذل جهود وساطة على أرفع المستويات بينهما، وبالتّنسيق الكامل مع الولايات المتّحدة، ألتي هي أعظم وأوثق حليف لنا". 

يراهن أصدقاء روسيا في لبنان على استدارة أميركية من خلال توقيع الإتّفاق النّووي مع إيران، ومن خلال قبول أوكرانيا مبدأ الحياد على الطريقة النّمساوية، كما كنت قد شرحت في حلقة سابقة. هذا التفكير يشكّل أمنية للبعض، إذ أنّ هذا السّلوك الأميركي يطلق مجدّدا، يد حزب إيران وحلفائها في لبنان. لذلك فالسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو، هل يمكن للرئيس بايدن أن يوقّع اتفاقا تقول إسرائيل أنّه سيّء وغير فعّال؟ ربما لو لم تقع الحرب في أوكرانيا، وتتحوّل إلى نقطة تطوّر تاريخي ومصيري في مسار النّظام الدّولي والعلاقات الدولية القائمة، لكان من الممكن فعلا للرّئيس بايدن أن يتبع نهج الرّئيس أوباما بهذا الصّدد. أمّا الآن فالأمور تفرض التريّث. 

أنا لا أجد إمكانيّة لفصل هذا الملف عن تلك الحرب. بل أعتقد أنّها فرصة مؤاتية للرّئيس بايدن يتراجع خلالها عن مسيرة أبعدت حزبه عن إسرائيل ودول الخليج العربي، وتفسح أيضا له بالتشدّد في الضغوط على إيران لتسّليم صواريخها الباليستية، وفقا لطلب أغلبيّة أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، خاصّة بعد قصفها أربيل بصواريخ باليستية، تحت عنوان قصف أهداف استراتيجية إسرائيلية، فيما تقول سلطات إقليم كردستان، وكذلك الإدارة الأميركية، أنّ القصف إستهدف القنصلية الأميركية، ومناطق سكنية وقناة فضائية. كما أنّ الولايات المتّحدة تتابع دور إيران في مساعدة روسيا بطرق مختلفة، أهمها: تجييش المرتزقة العرب (سوريون وفلسطينيون ولبنانيون وحوثيون) للقتال إلى جانب روسيا. الأمر ذاته الذي يقوم به حزب إيران وحلفاؤها، الذين لا يتردّدون في تحويل لبنان وسوريا إلى ساحتي إرسال الرّسائل في الحروب الدولية، ودائما على حساب مستقبل شعبيهما ومصيرهما. وعليه فعلى الأرجح أن يتلقّى حزب إيران وحلفاءها، عبر سوريا ولبنان، ردودا على تلك الرسالة.

في الواقع، أنا لا أرى في الأفق أيّ مخرج لوقف الحرب في أوكرانيا من دون اعتراف وقبول كلّ من الجانبين التراجع عن هدف من أهدافهما. أوكرانيا تتراجع عن طلب الإنضمام إلى الناتو، والقبول بالحياد على الطّريقة النمساوية، وروسيا تتراجع عن إحدى شروطها التي أعلنها المتحدّث بإسم الرئاسة الروسية بتاريخ 7 آذار، والذي يفرض على أوكرانيا أن تعترف بشبه جزيرة القرم كأراض روسية، وكذلك اعترافها بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين كدولتين مستقلّتين، إضافة إلى الإبتعاد عن الناتو. الرئيس بوتين يأمل أن يوافق الغرب على مقترحه إقامة إستفتاء برعاية دولية في هذه المناطق، بغية تقرير ما يريده سكانها، ودائما بحجّة تقرير المصير. فهل سيقبل الغرب هذا المقترح، أم سيشترط بالمقابل إستفتاء مماثلا في الشيشان، وغيرها من المناطق التي تخضع للهيمنة الرّوسية؟ هذا الأمر يبدو مستحيلا. فقبول روسيا بهذا التّراجع يؤدي إلى خسارة عسكرية استراتيجية للرّئيس بوتين، ستشكّل صفعة كبرى له، إذ أنّ الجيش الرّوسي هو المتورّط عمليّا في هذه الحرب، وليس جيش دولة ثالثة يمكن أن تفاوض روسيا على قراره كما كان عليه الأمر خلال الحرب الباردة، والصفقات التي كان يعقدها الغرب والإتّحاد السوفياتي لإنهاء إحدى الحروب الماثلة. كما أنّ  القبول الأوكراني بشروط موسكو، خسارة عسكرية استراتيجية للغرب قبل أوكرانيا، بعد أن تورّط الغرب عمليا في هذه الحرب، ودفع بمئات ألوف اللّاجئين نحو أوروبا. 

ثانيا: إستهداف أصدقاء روسيا

وإذا أضفنا ما تمّ إعلانه حتى اليوم من عقوبات، فإنّ أي تراجع روسي الآن يعني حتما انهيارا للإقتصاد الروسي. فروسيا تنتظر تعويض ما خسرته في الحرب من الثروات التي تخبئها أوكرانيا. روسيا ليست قلقة من إعلان إلمانيا إلغاء خطّ أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الممتدّ من روسيا بقيمة 9.9 مليار يورو. فهذا الأمر لن يلحق بها اضرارا بالسّرعة التي يعتقدها البعض، خاصّة وأنّ خط الأنابيب لم يدخل مرحلة التشغيل بعد، وهي ما زالت تملك وسائل أخرى لإمداد الغاز  إلى أوروبا وذلك عبر تركيا، كما شرحت في حلقة سابقة. كما أنّ إعلان المجموعة سبعة، بتاريخ 11 آذار 2022، بشأن تجريد روسيا من مزايا الدّولة الأَولى بالرّعاية، وما يتّم التحضير له لإعلان مماثل من عدد كبير من الدول الأعضاء في منظّمة التّجارة العالمية، كخطوة أخرى في سياق الحرب التي تخضع روسيا لها، لن يؤثّر على علاقات روسيا مع الكثير من الدّول التي تملك علاقات معها ولديها أسواق كبيرة مثل الصين وإيران، وبعض دول إفريقيا وغيرها. ولا شكّ أنّ زيارة وزير خارجية إيران إلى موسكو، كان هدفه طمأنة الإتّحاد الروسي بأنّ إيران ستبقي أسواقها مفتوحة أمام أعمق تعاون تجاري مع روسيا، وأنّ توقيع موسكو للإتّفاق، لن يبدّل ذلك الإلتزام. وكانت روسيا قد اشترطت إبقاء أسواق إيران مفتوحة لها، بغية توقيعها ذلك الإتفاق. لذلك كلّه، أعتقد أنّ الأمور لا تبشّر بحلول، وعلينا أن نتوقع، إذا لم يطرأ عامل مفاجئ يوقف الحرب، أن يلجأ الغرب إلى زيادة ضغوطه على روسيا، من خلال مواقع إنتشارها وعلاقاتها الخارجية. ولا نجد أفضل من الشرق الأوسط لهذا الغرض. 

لقد شرحت في حلقة سابقة عن صمت الولايات المتّحدة والغرب، والتوافق بينهم وبين روسيا الذي ساعدها في تدخّل عسكري كامل في سورية. كنت مقتنعا أنّ المحاصصة الإقتصادية في واقع النظام الدولي، ساعد في تولية روسيا ملف القضية السورية، كما وتولية فرنسا الوضع اللبناني. فروسيا لها علاقات تاريخية واستراتيجية في سورية كما أن لفرنسا مثل هذه العلاقات مع لبنان. والسّؤال الان هل سيسمح الغرب لروسيا بالإستمرار في حضورها الاستراتيجي في الشرق الأوسط من خلال سورية؟ أنا أشكّ بذلك وسأحاول قراءة السّبل التي يمكن للغرب تحقيق هدفه من دون الدخول في حرب شاملة. 

في الواقع، أيّ هجوم عسكريّ إسرائيليّ ضد إيران يستوجب مبرّرات مقنعة وفقا لنظام الأمم المتّحدة. هذا الأمر غير قائم حتى الآن. لكن لا شيء يمنع إسرائيل من تسخين الجبهة، وخاصة في سوريا مما يفرض على النّظام السوري، وكذلك على نظام إيران وحزبه في لبنان، إمّا الصّمت والقبول بخسارة عميقة، أو التورّط في الإشتباك. ألأمر الذي يمكن أن يبرّر توسيع العمليات بين إيران وإسرائيل، والذي يفتح الباب أمام عملية إسرائيلية واسعة مفاجئة في إيران. روسيا مشغولة بحربها ولا أعتقد أنّه يمكنها القتال على جبهتين، أو أنها ترغب بالدخول بمواجهة مع إسرائيل. حتى الآن لم نر رد فعل أميركي أو إسرائيلي على هجوم إيران الباليستي على أربيل، علما أنّ الهجوم على أربيل كان بحجّة القصف الإسرائيلي في سورية الذي ادّى إلى مقتل عناصر إيرانية. 

قد يتأخر تسخين الجبهة اللبنانية إلى حين رسم واقع جديد في سورية، وذلك منعا لإفلات موضوع اللّاجئين من عقاله. لكنّنا لا نأمل أيّ تروي في تعامل حزب إيران وحلفائه مع الحرب في أوكرانيا، أو في أيّة تطورات عميقة في سوريا. من الواضح أنّ هذه الحرب صارت بالنّسبة إليهم، مصيرية أيضا. حماك الله يا لبنان.






Comments

Popular posts from this blog

هول بيكرهوا الأرزة أكتر من الصليب. الطايفة بتقطع معن، لبنان لأ. - إيلي خوري

#بئس_السماسرة ... حزب السلاح ... تارة يظهر قوته وجبروته وطورا يظّهر مظلومية واستهداف يلحق به. - شفيق مقبل

......لو ما كنت من راشا كنت بتمنا كون من رميش....! edmond nicolas