النفط وشعار”هيهات منّا الذلّة - السفير د. هشام حمدان


إنتشرت في البيئة الحاضنة لحزب إيران في لبنان، يافطات تؤكد من جديد شعاره الدائم "هيهات منّا الذلّة". فقد أمكنه إدخال شاحنات نفط إيرانيّة إلى هذه البيئة الحاضنة عبر سوريا. هذا النّفط، ليس صواريخ وأسلحة كي تمنعه الطّائرات الإسرائيليّة، أي أنّه لا يقع في مفهوم "المقاومة" ولا يؤذيها. وبالتّالي فالأمر لا يعنيها. وقد دخل هذا النّفط من المعابر ذاتها التي خرج منها النّفط اللبناني المدفوع من مال اللبنانيين، ليباع في السّوق السّوري، ليس لغرض خدمة ذلك السّوق، بقدر ما هو بغرض التّجارة، وجني الأرباح. وبمعنى آخر، فالشّعبان اللبناني والسّوري الخاضعان "للمقاومة"، يدفعان من مالهما الثّمن، ودائما لمصلحة قادة "المقاومة" التي لا تعتاش إلّا على هذه الأموال المنهوبة من الناس.

لقد خضع حزب إيران إلى تهديد من يتّهمه بإقامة الحصار علينا. هو لم يُدخل النّفط من شواطئ لبنان ومرافئه، بل عبر سوريا بحماية روسيا والنّظام السّوري. روسيا قامت بهذا الأمر من أجل أغراضها الخاصّة التي تتقاطع حاليّا، مع موقف إيران وحزبها، سواء في لبنان أو سوريا. وهذا يعني أنّها لا تتمسّك بهذا الموقف لأسباب استراتيجية، بل تكتيكية، وستبدّل هذا الموقف في الوقت المناسب. كيف، ولماذا؟ لقد أوضحت رأيي بهذا الصّدد مراراً مذكّراً باستمرار، بإتّفاق حزيران 2019 بين مسؤولي الأمن القومي الرّوسي والأميركي والإسرائيلي، وكذلك بضرورة فهم موضوع العولمة في النّظام الحديث لكي نستطيع إدراك التوجّهات التكتيكيّة والإستراتيجيّة للدّول الكبرى.

ما أريده في هذه المقالة هو الإضاءة على المفهوم الوطني لعبارة "هيهات منّا الذلّة". فنحن فهمنا معناه بالنّسبة إلى"المقاومة"، وهو: ممنوع سحب سلاح حزب إيران، ووقف هيمنته على لبنان، وتطويب قراراته بالتّالي للقرار السّياسي و"الإلهي" الإيراني. كما أدركنا تكتيكاته المتّبعة من خلال استخدام كلّ الشّعارات، بما في ذلك شعار "المقاومة" للتّورية على السّماسرة والسّياسيين المدفوعة أجورهم، والسّياسيين السّياديين المطلوب إرهابهم، وأيضا شعار "شيعة شيعة"، عندما تصبح الأمور بمواجهة ثوّار 17 تشرين الذين لا يخضعون لزعامات وسماسرة.

المفهوم الوطني لشعار "هيهات منّا الذلّة"، يعني:
1- أنّ إدخال بواخر النّفط الإيرانيّة عبر سوريا، لا يثنينا عن مواقفنا في مواجهة السّلاح خارج الشرعيّة، بل أيضا يعني أن نضيفه كإثبات آخر للإحتلال الإيراني المقنّع للبنان عبر حزبها فيه. فالدّولة لا يجب أن تكون سيّدة القرار على المرافئ والشواطئ فحسب، بل على كلّ المعابر الحدوديّة للبنان. وهذا يؤكّد أنّ امتناع الحزب عن إدخال النّفط عبر الموانئ والشواطئ، ليس مهابة من الدّولة التي تخضع له، بل مهابة من القوّات الدّولية التي من حقّها أن تأسر تلك البواخر إذا قرّر الناتو ذلك. والناتو كما نعلم، مكلّف من مجلس الأمن في قراره 1701، صيانة الحدود بين لبنان وإسرائيل، وكذلك الحدود البحريّة. وقد رفعنا لهذه القوات سؤالاً في حينه ، ومن المنطلق القانوني ذاته، طالبين شرحا لأسباب السماح بدخول بواخر المتفجرات إلى لبنان عام 2014، ووضعنا علامات استفهام كبيرة حولها.
2- أن نملك الجرأة لقول الحقائق كما هي، ونقول: كفى شعبويّة. فمن يطالب باستمرار الدّعم لاستيراد النّفط وغيره، إنّما يحمي هذا الحزب، وهذه الفئة من السّماسرة والتجّار المتاجرين بحياة وأرواح وكرامة اللبنانيين. على رجال الإقتصاد التّعاطي مع الشأن الإقتصادي العام في البلاد من منطلق المفهوم الجديد للعولمة، إذ وكما قال وليد جبنلاط في حينه، سقطت إلإشتراكية، ويسود النّظام الرّأسمالي. ونحن ندرك أن رفع الدّعم المتوقّع من هذه الحكومة الإيرانيّة الفرنسيّة، ليس قناعة وطنية، بل خضوع لشروط صندوق النّقد الدّولي وغيره من المؤسّسات المالية الدّولية.
3- أن نقيم موقفا موحّدا للسّياديّين وثوّار 17 تشرين الأول، ولاسيّما بمناسبة الإنتخابات القادمة. فكما شعار "المقاومة" فاشل، فإن شعار "كلّن يعني كلّن" هو فاشل أيضا. علينا أن نفهم بوضوح، وكما قلنا مرارا، أنّ المعركة القائمة في لبنان، لا تتّصل بالإصلاح، وإنّما بانتصار محور على آخر. نحن وسط حرب صامتة باردة قائمة على أرضنا. فمتى نفهم وندرك أنّ واجبنا الأوّل هو استرجاع السّيادة لكي نملك حرّية القرار في عمليّة الإصلاح المنشودة؟
أنا مع محور السياديّين في وجه محور إيران والمستزلمين لحزبه في لبنان. وعندما أقول محور السياديّين، فهذا يعني ذلك المحور الذي يقوده غبطة البطريرك الراعي الذي حدّد بوضوح أنّ السيادة تعني: "ألحياد عن صراع هذه الأطراف، وتحييد لبنان عنه". لا للمحور الإيراني، ولا أيضا للمحور الإسرائيلي. علاقاتنا مع الدّول في المحورين، تسودها المصلحة المتبادلة والإحترام المتبادل والإلتزام بالقانون الدّولي وميثاق الأمم المتّحدة وقراراتها. لا أقبل من يدّعي السيادة وهو يعمل من أجل الإنتقام وغلبة الآخر. هو ليس سياديّاً، بل هو طرف من المحاور المتصارعة. فلا انتقام بين اللبنانيين، ولا غلبة لأيّ منهم على الآخر. نعم، علينا أن نحاسب من أوصلنا إلى هذه الحالة، وتحت شعار كلّن يعني كلّن، ولكن ودائما تحت شعار العدالة، ووفقا للقواعد القانونيّة الدّولية.
4- أن نطالب ونستمرّ بمطالبة المجتمع الدّولي بتطبيق قراراته الدوليّة بدءاً من اتّفاقية الهدنة لعام 1949، مروراً بالقرار 194، لتسوية موضوع اللّاجئين الفلسطينيّين، والقرار 425 لفرض انسحاب إسرائيل من كلّ أرض لبنانيّة ما زالت محتلّة، والقرار 1559 لفرض سلطة الدّولة اللّبنانيّة على كامل التّراب الوطني، وسحب السّلاح غير الشّرعي، وإسقاط مقولة "الجيش والشعب والمقاومة"؛ فالجيش يخضع للقرار السّياسي للدّولة، والشعب هو مصدر السّلطات التي تقوم عليها الدّولة، والمقاومة هي حالة إستثنائيّة، وتحديداً عندما تفقد الدّولة شرعيّتها، كما عند قيام احتلال أجنبيّ للبلاد. ولعلّ ما حصل في فرنسا خلال حكم النازيّين، هو أفضل مثال على كلامي. وأنا أعتبر أنّ للشّعب اللّبناني حاليا، الحقّ القانوني لأن يخوض حرب مقاومة ضدّ الإحتلال المقنّع لإيران لبلاده. لكنّني أرفض اللّجوء إلى هذا الخيار، لكي لا تتحوّل هذه المقاومة إلى حرب أهليّة أخرى، كما حصل عندما قامت المقاومة اللّبنانيّة ضدّ المقاومة الفلسطينيّة عام 1968، وما بعده. نحن نريد رفع شعار الدّولة وحدها وفقا للقرار 1559، وما بعده. أمّا الدّولة فهي السّلطات التي يريدها الشّعب بعد أن يتمتع بكامل حريته، وبقراره الدّيمقراطي الحرّ.
نطالب بتطبيق القرار 1595، ومتابعة ملاحقة من ارتكب جرائم إغتيال الرّئيس الحريري وآخرين، الإرهابيّة. فدماء الرّئيس الحريري رحمه الله، ليست ملكا لإبنه يبيعها من أجل كرسيّ الرّئاسة الثّانية، ودائما تحت شعار كاذب آخر هو "المصلحة الوطنيّة". ألمصلحة الوطنيّة التي اعتمدها أصحاب التّسوية، إنّما تعني التّورية على الإحتلال المقنّع، والمشاركة في المحاصصة، ونهب أموال النّاس.
5- أن نطالب المجتمع الدّولي بالعدالة للبنان وشعبه. فنحن ضحيّة للصراع الإقليمي الإقليمي، والإقليمي الدّولي. نحن بلد مأسور سُرقت إرادة القرار الوطني فيه إكراها منذ عام 1969. علينا أن لا نتوقّف عن المطالبة علناً وجهارا، بضرورة تعويضنا عن كلّ الذي دفعناه من خسائر. وعلينا أيضا، أن لا نتوقّف عن المطالبة برفع قضيّة تفجير المرفأ إلى القضاء الدّولي، وتحديداً إلى المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، ووقف المطالبة بلجنة دوليّة، وعدم توجيه إتّهامات مسبقة، والسعي لتقديم كلّ القرائن التي تسمح للمحكمة بتحديد المذنب، وتوجيه الإتّهامات. كلّ من يدّعي أنّه لا يفعل ذلك إحتراما للقضاء الوطني، أو لأيّ سبب آخر، إنّما يساهم طوعا، أو عن غير قصد، بالتّورية عن المجرمين. ألقضاء الوطني غير قادر على تحقيق العدالة.
هيهات منّا الذلّة، فطالما هناك قادة وطنيّون وروحيّون أحرار، ويملكون الجرأة على مواجهة السّياسيّين، وأمراء الحرب المتاجرين بالغرائز الطّائفية، ويدافعون عن المصلحة الوطنيّة العليا، فإنّ لبنان سيبقى بخير، وسيعود ليكون جوهرة أخرى في هذا الشرق.
https://www.facebook.com/HICHAMSHAMDAN/posts/1242519032865136 الولايات المتّحدة في 16 ايلول 2021 السفير د. هشام حمدان

Comments

Popular posts from this blog

هول بيكرهوا الأرزة أكتر من الصليب. الطايفة بتقطع معن، لبنان لأ. - إيلي خوري

٤ آب - مسؤولية حزب الله عن جريمة الحرب / نديم بستاني

حرب أوكرانيا وآثارها على لبنان: حذار من التطوّرات القادمة في الشرق الأوسط (6) - السفير د. هشام حمدان